" بعد أن عجز والدي عن خطابي .. وعجزت عن سماعه
امتشق رمحاً وخط على صدري كلماته الأخيرة .. في الهزيمة الأخيرة ..,,
دُرْعُكَ المَوْتُ
لا تَنْسَحِبْ
سَوْفَ تَمْضِيْ طَوِيلاً عَلَى دَرَجِ العُمْرِ
وَالقَلْبُ يُصْغِيْ إِلَى وَقْعِ عُكَّازِكَ المُضْطَرِبْ
الحَصَى فِيْ طَرِيْقِكَ
تَمْضِيْ بِسَاقَيْكَ نَحْوَ السُّقُوطِ
وَلِلشَّوْكِ تَارِيخُهُ
في يَدٍ تَمْسَحُ الحُزْنَ عَنْ حَاجِبَيْكَ
وَلَكِنَّ عَيْنَيْكَ مُثْقَلَتَانِ بِمَا فِيْهِمَا مِنْ تَعَبْ
ثُمَّ تُدْرِكُ أَنَّكَ تَمْشِيْ عَلَى الجَمْرِ وَالجُرْحِ
سِكِّيْنُ حُزْنِكَ تَخْتَرِقُ العَظْمَ
ما زَالَ طَعْمُ الحَرِيْقِ عَلى قَدَمَيْكَ
وَمَا زِلْتَ تَقْتَاتُ رِيْقَكَ
..وَالشَّوْكَ
....وَالغُصَّةَ المُسْتَعَارَةَ مِنْ لحَظَاتِ الغَضَبْ
مُقْفِلاً بَابَ صَدْرِكَ
أَثْلامُ هَذِي المَفَاتِيْحِ
تُشْبِهُ أَثْلامَ قَلبِكَ
لكِنَّ حَارِسَ سِجْنِكَ
يَقْطَعُ كُلَّ الدُّرُوْبِ إِلَيْكَ
يَسُدُّ النَّوافِذَ في وَجْهِ رِيْحٍ مُحَمَّلَةٍ بالغَمَامِ
يُصَادِرُ مِنْ شَفَتَيْكَ الرَّسائِلَ
..بَوْحَ الأَغَانِي
...الصَّلاةَ الأَخِيْرَةَ
....وَالكَلِمَاتِ المَرِيْرَةَ
حِيْنَ تُسَاقُ إِلَى سَاحَةِ النِّطْعِ...
وَالكُلُّ تَشْخَصُ عَيْنَاهُ
تَنْهَشُ مِنْكَ العِظَامْ
أَبْصَرَتْكَ عُيُوني
قَمِيْصُكَ رَدَّ لِيَ الرُّوْحَ
..وَالبَوْحَ بِالكَلِمَاتِ الغَرِيْبَةِ : لِلذِّئْبِ يَا وَلَدِيْ مِخْلَبَانِ
وَ آَثَارُ مِخْلَبِهِ فَوْقَ صَدْرِكَ
تَحْفِرُ قَبْرَاً لِشَيْخٍ يَنَامْ
ثُمَّ يَصْحُو عَلى صَوْتِ ضِلْعٍ تَكَسَّرَ
أَوْ طَقْطَقَاتٍ لِوَقْعِ خُطَاكَ
كَأَنَّ الطَرِيْقَ يَدَاكَ
الطَرِيْقُ طَوِيْلٌ
وَهَذِي الحَقَائِبُ جَاهِزَةٌ لِلرَّحِيْلِ
وَلَكِنْ ..!
جَنَاحَاكَ شَمْعٌ
وَشَمْسُ البِدَايَةِ مُحْرِقَةٌ
وَالسُّقُوْطُ عَلى ضِفَّةٍ لا تَنَامْ
كَانَ يُحْرِقُ فِيْ شَفَتَيْكَ الكَلامْ
ثُمَّ تَغْفُو عَلى عَتْبَةِ النَّأْيِ... وَالنَّايِ
أُمُّكَ تَسْأَلُنِيْ كُلَّ يَوْمٍ
لماذا وحيداً . ..
بعيداً عنٍ النَّايِ كُنْتَ تُغَنِّيْ ؟!!..
وُبُحَّةُ صَوْتِكَ تَجْتَزُّ قَلْبِيْ؟!!...
لماذا تُخَبِّئُ في العَيْنِ بَرْقَاً ؟؟
وَفِي الكَفِّ جُرْحَاً ؟!!
وفي الصَّدْرِ شَهْقَةَ مَوْتٍ قَدِيْمْ ؟!!...
ثُمَّ تُبْحِرُ عَيناكَ في رِحلةٍ لانِهَائِيَّةٍ ..
...شِبْهِ حَالمةٍ
تَتَأَمَّلُ صُورةَ أُمِّكَ
وَهْيَ تُرَقِّعُ شُقَّ قَمِيْصِكَ
تَمْسَحُ عَنْهُ أَظَافِرَ ذِئْبٍ لَئِيْمْ
وَ أَبَاكَ الذِيْ ذَرَفَ العُمْرَ
يَصْنَعُ مِنْ بَيْنِ هَذِي الرُّكَامَاتِ عُكَّازَتَيْكَ الهَشِيْمْ
وَيَخُطُّ بِخَطٍ رَدِيءٍ رَسَائِلَهُ
ثُمَّ يُرْسِلُهَا كَالسَّرابِ إِلَيْكَ
يُقَدِّمُ أَعْذَارَهُ عَنْ قُرُوْشٍ قَليْلَةْ
يَقُدُّ أَصَابِعَهُ ثُمَّ يُشْعِلُهَا كَالشُّمُوْعْ
وَهْيَ تَشْتَاقُ لِلرِّيْحِ حِيْنَاً... فَتُطْفِئُهَا
ثُمَّ تَذْوِيْ..
وَتُوْمِضُ فَوْقَ جِدَارٍ بَعِيْدٍ يَضِيْعْ
هَارِباً مِنْ ثُقُوبِ سَمَائِكَ
هَذِي النُّجُومُ شَبابِيْكُ قَدْ سَئِمَتْها الحِقَبْ
شاخَ وَمْضُكَ فِيْهَا
هِيَ الآنَ إِذْ رَحَلَتْ سَنَواتُ الصِّبا
لَنْ تَرُدَّ لَكَ النَّايَ
قَدْ ضَاعَ صَوْتُكَ لا تَرْتَقِبْ
مِنْ صَدَاهُ سِوَى دَمِكَ المُنْسَكِبْ
مِنْ تَجَاعِيْدِ وَجْهِكَ
حِيْنَ تَنَامُ عُيُونُ الصَّبَاحْ
الصَّبَاحُ قَتِيْلٌ
يُشَيِّعُ جُثَّةَ قَاتِلِهِ
فَأَراكَ عَلَى طَرَفِ النَّعْشِ تَبْسُطُ كَفَّيْكَ
لا تَجْعَلِ الكَفَّ مَغْلُولَةً
الصَّلِيْبُ فَسِيْحٌ
وَعُنْقُكَ يَنْفِرُ مِنْ عَبَقِ الدَّمِ
حِيْنَ تَفِيْضُ عَلى مِعْصَمَيْكَ عُيُونُ الجِرَاحْ
وَ كَأَنَّكَ مِتَّ
كَأَنَّكَ لَمْ تُوْصِدِ البَابَ خَلْفَكَ
لَمْ تَكْتَرِثْ لِصَرِيْرِ الرِّمَاحْ
وَهْيَ تَكْتُبُ آَخِرَ سَطْرٍ بِصَفْحَةِ صَدْرِكَ...
آَخِرَ ما تَحْمِلُ الرِّيْحُ مِنْ كَلِمَاتِ أَبِيْكِ :
"بُنَيَّ وَلِلرُّمْحِ في الحَلْقِ حَدَّانِ أَحْلاهُمَا عَلْقَمٌ
...كَيْفَ لي أَنْ أُخَبِّئَ عَنْ أَدْمُعِيْ غُصَّةً
كَيْفَ أَكْفُرُ بِاللامَكَانِ الذيْ كَانَ يَجْمَعُنَا
شَاهِرَيْنِ عَلَى بَعْضِنَا
وَرْدَتَيْنِ
وَشُرْبَةَ مَاءٍ وَرَشْقَةَ عِطْرٍ عَتِيْقٍ مُبَاحْ
أَمْ تَضِيْعُ النِّهَايَةَ في دَمِ عَيْنَيْكَ مُوْحِلَةً
يا بُنَيَّ وَعُمْرُكَ مَمْلَكَةٌ مِنْ حَرِيْقٍ
وَدَرْبُكَ مَرْوِيَّةٌ بِالنَّدَى
وَقَنَادِيْلُ هَذا الطَّرِيْقِ سَتَطْفَأُ عَمَّا نَسِيْمٍ
وَتَنْثَالُ فِيْ لَجَّةِ المَاءِ كُلُّ المَنَادِيْلِ
يَسْبَحُ فِيْ دَمِكَ النَّهْرُ
لَكِنَّنِيْ هَاهُنا وَاقِفٌ
وَلْتَهُبَّ الرِّيَاح
الشاعر: حكمة جمعة